السياسة الغربية اتجاه الثورة العربية
- بواسطة مؤتمر الأمة --
- الثلاثاء 27 جمادى الثانية 1434 12:54 --
- 0 تعليقات
مؤتمر الأمة
بقلم سيف رشدان الهاجري
Twitter : @saifalhajri
بعد سقوط الخلافة الإسلامية بعد الحرب العالمية الأولى استكملت بريطانيا وفرنسا السيطرة الغربية على العالم العربي توجته بريطانيا بدخول القدس عام 1917, أحدثت صدمة تاريخية للأمة استغلتها بريطانيا وفرنسا في تشكيل المنطقة تشكيلا سياسيا جديدا لترسيخ التجزئة القطرية فأدخل النظام الملكي والنظام الجمهوري بدساتير وضعية بعيدة عن الإسلام ونظام السياسي المستمر منذ عصر النبوة لعزل الأمة عن دينها وتاريخها وإرثها الحضاري, وتم ترسيخ هذه السياسة خلال الفترة ما بين الحربين العالميتين برعاية بريطانية فرنسية فأصبحت واقعا سياسيا, وبعد الحرب العالمية الثانية ظهرت أمريكا كقوة عظمى وبدأت بالدخول بشكل مباشر في المنطقة العربية كوارث غربي تقليدي للسيطرة البريطانية والفرنسية, حينها اعلنت بريطانيا خططها للانسحاب من المنطقة بترتيب كامل مع أمريكا وفق سياسة الاحلال التدريجي لحماية مصالح الغرب وسيطرته على المنطقة وفق منظومة متكاملة لها أبعادها الدينية والتاريخية وان اختلفت في بعض تفاصيلها التنفيذية, فالسياسة الغربية اتجاه المنطقة العربية قائمة على اسس ثابتة وهي :
أولا : منع قيام الخلافة الإسلامية كإطار سياسي جامع للأمة وتجزئة المنطقة العربية لعدة دول وربطها بالمنظومة الدولية (الأمم المتحدة) لتعزيز صورتها ككيانات مستقلة وربط حماية أنظمتها بالمنظومة الأمنية والعسكرية سواء من خلال حلف الناتو أو بشكل مباشر مع الاجهزة الامنية الغربية كمجموعة السفاري التي انشئت عام 1974 والتي ضمت إيران الشاه والسعودية ومصر ومثلها حسني مبارك والمغرب والاردن وفرنسا كممثل للمنظومة الأمنية الغربية.
ثانيا : دعم الانظمة الاستبدادية وتعزيز دورها الوظيفي في مواجهة حركات الإصلاح ودعاتها سواء بالسجن والمنع من السفر وهو امتداد لسياسة النفي المتبعة أيام الاستعمار المباشر أو التصفية أو الطرد للخارج لعزلهم عن التواصل المباشر مع شعوبهم .
ثالثا : المحافظة على الوجود العسكري المباشر في البحر وفي القواعد العسكرية باسم معاهدات التحالف الاستراتيجي أو الدفاع المشترك أو المناورات العسكرية المشتركة أو صفقات التسلح والمستشارين العسكريين .
رابعا : ضمان بقاء القدس كمدينة مقدسة تحت النفوذ الغربي ولهذا احتفلت كنائس ألمانيا بدخول القوات البريطانية القدس عام 1917 بالرغم من الحرب بينهما .
خامسا : المحافظة على الكيان الصهيوني كقاعدة للغرب في قلب المنطقة وظهر جليا في قيام بريطانيا بإنشائه (وعد بلفور) وفرنسا بتسليحه (مفاعل ديمونة) واتمت اميركا المشروع بالرعاية الكاملة .
سادسا : المحافظة على استمرار السيطرة الغربية على النفط لحماية إمدادات الطاقة وفرض نفوذها على دول العالم الصناعية الأخرى التي تعتمد على نفط المنطقة كالصين واليابان وغيرها.
حرص الغرب على حماية هذه الأسس وتنفيذ سياساته وفق أطرها العامة ومن أهم سياساته التكتيكية لمواجهة أي خطر داخلي أو خارجي على هذه الأسس هي سياسة الاحتواء المباشر كالعدوان الثلاثي1956 وحرب 1967 لمواجهة المشروع القومي بقيادة جمال عبدالناصر, وحرب لبنان1982 لإنهاء الخطر الفلسطيني على إسرائيل, واحتلال أفغانستان لإسقاط إمارة طالبان الإسلامية ضرب الجماعات الإسلامية المجاهدة وتحجيم التقارب الروسي الصيني الهندي بما يسمى مثلث بريماكوف, وحصار العراق واحتلاله لتدمير القوة العراقية وتحجيم النفوذ الإيراني وتوظيفه, أو الاحتواء الغير مباشر من خلال دعم وتنظيم الانقلابات العسكرية في سوريا والعراق واليمن والجزائر وليبيا وموريتانيا لقطع الطريق على دعوات التحرر أو الاختيار الحر للشعوب, وكذلك توظيف خطر الشيوعية زمن الحرب الباردة والخوف من المشاريع القطرية كالمشروع الإيراني السياسي الطائفي, حيث استغلت أميركا والغرب خوف الأنظمة العربية والشعوب والقوى السياسية والتيارات الإسلامية في طرح نفسها كدرع واقي من هذه الاخطار .
وهكذا استمرت السياسة الغربية على هذه الأسس والممارسات ولا زالت, إلي أن تفاجأ العالم كله بالربيع العربي وانطلاق شرارة الثورة العربية التي أطلقها الشهيد محمد بوعزيزي في تونس التي كانت معقل الاجتماع الدوري لوزراء الداخلية للأنظمة العربية لمكافحة ما يسمى بالإرهاب, وأدرك الغرب حينها أن هذه الثورة خارج الأطر السياسية التقليدية المرسومة للمنطقة العربية منذ سقوط الخلافة, وبدأت المؤتمرات والحلقات النقاشية في الغرب لدراسة هذه الثورة وسبل مواجهتها ومنها مؤتمر حلف الناتو في تالين مايو 2012 لبحث الأمن في الخليج والمنطقة العربية بعد الثورات, ثم تبعه مؤتمر(الربيع العربي: غدا من يحكم العالم العربي ) في يونيو 2012 والذي عقدته جامعة العلوم السياسية ساينس بو في باريس برعاية الرئيس الفرنسي, وبمشاركة عربية رسمية وأكاديمية في كلا المؤتمرين وغيرها من المؤتمرات واللقاءات التي لا زالت مستمرة حول المنطقة بعد قيام الثورة لرسم سياسة الغرب وفق المعطيات الجديدة ومؤثراتها .
وهنا لابد من الإشارة إلي أن أمريكا وأوربا ارتبكت سياساتها الخارجية اتجاه ما يحدث في العالم العربي لكنها أدركت أن الثورة ستحدث تغيرات كبرى في العالم العربي , لذا بدأ الغرب في وضع قواعد تعامل أساسية جديدة لمواجهة تأثير الثورات وإبقائها ضمن الأطر السياسية التقليدية التي رسخت السيطرة الغربية على المنطقة منذ سقوط الخلافة , وقد تمثل التعامل الغربي مع الثورات فيما يلي:
أولا : إتباع سياسة الحصار السياسي والاقتصادي على بلدان الثورات السلمية كتونس ومصر واليمن وربط الاعتراف السياسي والدعم الاقتصادي (المعونات المالية والغذائية, وفتح الاعتمادات الائتمانية) بمدى التزام الأنظمة الجديدة بقواعد العملية السياسية الدولية المرتبطة بمنظومة السيطرة الغربية .
ثانيا : حظر السلاح على بلدان الثورات المسلحة كليبيا وسوريا بحجة منع الانظمة من قتل الشعوب وقيام حروب أهلية والهدف هو ادخال البلدان في مرحلة الحرب الداخلية ومنع نجاح الثورات المسلحة لأنها جذرية في تغيير الأنظمة وهو ما حصل في ليبيا , وإن كان تدخل الناتو أتى اضطرارا لمنع النفوذ الروسي من دخول منطقة البحر المتوسط بعد استقدام القذافي للمستشارين الروس لتشغيل أسلحته .
ثالثا : قامت أمريكا وأوربا وحلفائها من دول الخليج والجزائر والمغرب والاردن بدعم فلول الأنظمة السابقة والمؤسسات العسكرية التي لم تمسها الثورة لقطع الطريق على الثورة أو الحد من تأثيرها .
رابعا : استغلت امريكا نفوذ بلدان الخليج العربي وجامعة الدول العربية لطرح مبادرات سياسية تحت رعايتها كحل سياسي للثورات التي تواجها الانظمة كالمبادرة الخليجية في اليمن والمبادرة العربية في سوريا وتعميمها على كل نظام يتعرض لثورة .
خامسا : فتح قنوات تواصل مباشر مع الحركات السياسية وخاصة الإسلامية وظهر ذلك في زيارات أعضاء الحركات الاسلامية للعواصم الغربية وزيارات السفراء الغربيون لمقرات الحركات السياسية والاسلامية .
سادسا : طرح المبادرات السياسية برعاية دولية وعربية كالمبادرة اليمنية ومبادرة كوفي عنان ومؤتمر أصدقاء سوريا لاحتواء اطر سياسية قامت في الأصل كواجهة سياسية ثورية ثم قبلت بالحلول الغربية بقصد أو بغير قصد كأحزاب اللقاء المشترك في اليمن الذي قبل بالمبادرة الخليجية التي التفت على ثورة الشعب اليمني , والمجلس الوطني السوري وبحجة حماية الشعب السوري قبل بمقررات مؤتمر أصدقاء سوريا وطلب وضع سوريا تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة والذي هو الوجه الدولي الشرعي الخفي للوصاية الاستعمارية .
سابعا : تفعيل السياسات المالية المكافحة لما يسمى بالإرهاب التي فرضها الغرب لمراقبة الأنظمة المالية والعمل الخيري الرسمي في الدول العربية وخاصة الخليجية لتشديد الرقابة على الدعم المادي الذي تقدمه الأمة للشعوب الثائرة كسهم في سبيل الله وهذا ما أكده قادة الثورات بالرغم من حملات التبرع التي تحت الرعاية الرسمية .
ثامنا : دعم التيارات السياسية وخاصة ذات التوجه الليبرالي ممن لها ارتباطات فكرية وسياسية بالغرب في نشاطها السياسي والانتخابي كما حصل في تونس وليبيا ومصر واليمن .
تاسعا : دعوة أنظمة الدول التي لم تقم بها ثورات إلي خطوات إصلاحية استباقية لإضفاء الصفة الإصلاحية والحيوية على هذه الأنظمة وإبعاد خطر الثورات عنها, وظهر مثل هذه الخطوات في الأردن والكويت والمغرب والجزائر وهي شكلية وليست عميقة .
ولا زالت احداث الثورة وتداعياتها الكبرى مستمرة وستتبدل أسس وقواعد سياسية سائدة في عالمنا العربي, مما يجعل الأمة وثورتها أمام تحديات كبرى تواجهها, وهنا يأتي دور الحركات والتنظيمات السياسية في مواجهة هذه التحديات والنهوض بالأمة من جديد في ظل هذه الفرصة التاريخية, ولكي تستطيع القيام بهذا الدور الخطير لا بد من توفر الأسس التالية :
أولا : تقدم الرجال الأفذاذ المشهود لهم اجتماعيا وسياسيا وعمليا وعلميا وإعطائهم الفرصة الكاملة لإداء دورهم فالأحداث التاريخية الكبرى تحتاج رجالا على مستوى هذه الأحداث .
ثانيا : ترسيخ العمل المؤسسي بعيدا عن الفردي (واعتصموا بحبل الله جميعا) ونشر أصل الشورى في العمل السياسي (وأمرهم شورى بينهم) .
ثالثا : الوعي السياسي التام بتاريخ وواقع كافة المشاريع السياسية المتنافسة في المنطقة وارتباطاتها وبسير الأحداث التي تعصف بالمنطقة .
رابعا : العلم والوعي التام بتاريخ الأمة ومشروعها السياسي والمتمثل بالخطاب السياسي النبوي والراشدي.
خامسا : طرح برامج سياسية عملية واضح المعالم وقابل للتطبيق على أسس الخطاب السياسي النبوي والراشدي.
سادسا : تأهيل الكوادر السياسية القادرة على العمل السياسي الجماعي المنظم للوصول بهم إلي مستوى رجال دولة .
سابعا : ربط العمل السياسي للكوادر بالتربية الروحية والعمل الصالح لكل فرد, وبالطموح والمجد التاريخي على المستوى الشخصي أو العام .
إن أعظم درس سطرته لنا الأمة بثورتها هو أننا في وسط صراع أممي على أرضنا وثرواتنا ولا نستطيع التحرر منه ومواجهته إلا بالأمة نفسها وبإسلامها العظيم وفق ما خطه لنا نبينا نبي الملحمة صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام من خطاب سياسي نبوي راشدي توج ببناء دولة الخلافة التي أرست التوحيد والحرية والعدل وبها سادة الأمم لقرون, فهل من عودة قريبة, هذا ما وعدنا به نبينا صلى الله عليه وسلم .
Twitter : @saifalhajri
بعد سقوط الخلافة الإسلامية بعد الحرب العالمية الأولى استكملت بريطانيا وفرنسا السيطرة الغربية على العالم العربي توجته بريطانيا بدخول القدس عام 1917, أحدثت صدمة تاريخية للأمة استغلتها بريطانيا وفرنسا في تشكيل المنطقة تشكيلا سياسيا جديدا لترسيخ التجزئة القطرية فأدخل النظام الملكي والنظام الجمهوري بدساتير وضعية بعيدة عن الإسلام ونظام السياسي المستمر منذ عصر النبوة لعزل الأمة عن دينها وتاريخها وإرثها الحضاري, وتم ترسيخ هذه السياسة خلال الفترة ما بين الحربين العالميتين برعاية بريطانية فرنسية فأصبحت واقعا سياسيا, وبعد الحرب العالمية الثانية ظهرت أمريكا كقوة عظمى وبدأت بالدخول بشكل مباشر في المنطقة العربية كوارث غربي تقليدي للسيطرة البريطانية والفرنسية, حينها اعلنت بريطانيا خططها للانسحاب من المنطقة بترتيب كامل مع أمريكا وفق سياسة الاحلال التدريجي لحماية مصالح الغرب وسيطرته على المنطقة وفق منظومة متكاملة لها أبعادها الدينية والتاريخية وان اختلفت في بعض تفاصيلها التنفيذية, فالسياسة الغربية اتجاه المنطقة العربية قائمة على اسس ثابتة وهي :
أولا : منع قيام الخلافة الإسلامية كإطار سياسي جامع للأمة وتجزئة المنطقة العربية لعدة دول وربطها بالمنظومة الدولية (الأمم المتحدة) لتعزيز صورتها ككيانات مستقلة وربط حماية أنظمتها بالمنظومة الأمنية والعسكرية سواء من خلال حلف الناتو أو بشكل مباشر مع الاجهزة الامنية الغربية كمجموعة السفاري التي انشئت عام 1974 والتي ضمت إيران الشاه والسعودية ومصر ومثلها حسني مبارك والمغرب والاردن وفرنسا كممثل للمنظومة الأمنية الغربية.
ثانيا : دعم الانظمة الاستبدادية وتعزيز دورها الوظيفي في مواجهة حركات الإصلاح ودعاتها سواء بالسجن والمنع من السفر وهو امتداد لسياسة النفي المتبعة أيام الاستعمار المباشر أو التصفية أو الطرد للخارج لعزلهم عن التواصل المباشر مع شعوبهم .
ثالثا : المحافظة على الوجود العسكري المباشر في البحر وفي القواعد العسكرية باسم معاهدات التحالف الاستراتيجي أو الدفاع المشترك أو المناورات العسكرية المشتركة أو صفقات التسلح والمستشارين العسكريين .
رابعا : ضمان بقاء القدس كمدينة مقدسة تحت النفوذ الغربي ولهذا احتفلت كنائس ألمانيا بدخول القوات البريطانية القدس عام 1917 بالرغم من الحرب بينهما .
خامسا : المحافظة على الكيان الصهيوني كقاعدة للغرب في قلب المنطقة وظهر جليا في قيام بريطانيا بإنشائه (وعد بلفور) وفرنسا بتسليحه (مفاعل ديمونة) واتمت اميركا المشروع بالرعاية الكاملة .
سادسا : المحافظة على استمرار السيطرة الغربية على النفط لحماية إمدادات الطاقة وفرض نفوذها على دول العالم الصناعية الأخرى التي تعتمد على نفط المنطقة كالصين واليابان وغيرها.
حرص الغرب على حماية هذه الأسس وتنفيذ سياساته وفق أطرها العامة ومن أهم سياساته التكتيكية لمواجهة أي خطر داخلي أو خارجي على هذه الأسس هي سياسة الاحتواء المباشر كالعدوان الثلاثي1956 وحرب 1967 لمواجهة المشروع القومي بقيادة جمال عبدالناصر, وحرب لبنان1982 لإنهاء الخطر الفلسطيني على إسرائيل, واحتلال أفغانستان لإسقاط إمارة طالبان الإسلامية ضرب الجماعات الإسلامية المجاهدة وتحجيم التقارب الروسي الصيني الهندي بما يسمى مثلث بريماكوف, وحصار العراق واحتلاله لتدمير القوة العراقية وتحجيم النفوذ الإيراني وتوظيفه, أو الاحتواء الغير مباشر من خلال دعم وتنظيم الانقلابات العسكرية في سوريا والعراق واليمن والجزائر وليبيا وموريتانيا لقطع الطريق على دعوات التحرر أو الاختيار الحر للشعوب, وكذلك توظيف خطر الشيوعية زمن الحرب الباردة والخوف من المشاريع القطرية كالمشروع الإيراني السياسي الطائفي, حيث استغلت أميركا والغرب خوف الأنظمة العربية والشعوب والقوى السياسية والتيارات الإسلامية في طرح نفسها كدرع واقي من هذه الاخطار .
وهكذا استمرت السياسة الغربية على هذه الأسس والممارسات ولا زالت, إلي أن تفاجأ العالم كله بالربيع العربي وانطلاق شرارة الثورة العربية التي أطلقها الشهيد محمد بوعزيزي في تونس التي كانت معقل الاجتماع الدوري لوزراء الداخلية للأنظمة العربية لمكافحة ما يسمى بالإرهاب, وأدرك الغرب حينها أن هذه الثورة خارج الأطر السياسية التقليدية المرسومة للمنطقة العربية منذ سقوط الخلافة, وبدأت المؤتمرات والحلقات النقاشية في الغرب لدراسة هذه الثورة وسبل مواجهتها ومنها مؤتمر حلف الناتو في تالين مايو 2012 لبحث الأمن في الخليج والمنطقة العربية بعد الثورات, ثم تبعه مؤتمر(الربيع العربي: غدا من يحكم العالم العربي ) في يونيو 2012 والذي عقدته جامعة العلوم السياسية ساينس بو في باريس برعاية الرئيس الفرنسي, وبمشاركة عربية رسمية وأكاديمية في كلا المؤتمرين وغيرها من المؤتمرات واللقاءات التي لا زالت مستمرة حول المنطقة بعد قيام الثورة لرسم سياسة الغرب وفق المعطيات الجديدة ومؤثراتها .
وهنا لابد من الإشارة إلي أن أمريكا وأوربا ارتبكت سياساتها الخارجية اتجاه ما يحدث في العالم العربي لكنها أدركت أن الثورة ستحدث تغيرات كبرى في العالم العربي , لذا بدأ الغرب في وضع قواعد تعامل أساسية جديدة لمواجهة تأثير الثورات وإبقائها ضمن الأطر السياسية التقليدية التي رسخت السيطرة الغربية على المنطقة منذ سقوط الخلافة , وقد تمثل التعامل الغربي مع الثورات فيما يلي:
أولا : إتباع سياسة الحصار السياسي والاقتصادي على بلدان الثورات السلمية كتونس ومصر واليمن وربط الاعتراف السياسي والدعم الاقتصادي (المعونات المالية والغذائية, وفتح الاعتمادات الائتمانية) بمدى التزام الأنظمة الجديدة بقواعد العملية السياسية الدولية المرتبطة بمنظومة السيطرة الغربية .
ثانيا : حظر السلاح على بلدان الثورات المسلحة كليبيا وسوريا بحجة منع الانظمة من قتل الشعوب وقيام حروب أهلية والهدف هو ادخال البلدان في مرحلة الحرب الداخلية ومنع نجاح الثورات المسلحة لأنها جذرية في تغيير الأنظمة وهو ما حصل في ليبيا , وإن كان تدخل الناتو أتى اضطرارا لمنع النفوذ الروسي من دخول منطقة البحر المتوسط بعد استقدام القذافي للمستشارين الروس لتشغيل أسلحته .
ثالثا : قامت أمريكا وأوربا وحلفائها من دول الخليج والجزائر والمغرب والاردن بدعم فلول الأنظمة السابقة والمؤسسات العسكرية التي لم تمسها الثورة لقطع الطريق على الثورة أو الحد من تأثيرها .
رابعا : استغلت امريكا نفوذ بلدان الخليج العربي وجامعة الدول العربية لطرح مبادرات سياسية تحت رعايتها كحل سياسي للثورات التي تواجها الانظمة كالمبادرة الخليجية في اليمن والمبادرة العربية في سوريا وتعميمها على كل نظام يتعرض لثورة .
خامسا : فتح قنوات تواصل مباشر مع الحركات السياسية وخاصة الإسلامية وظهر ذلك في زيارات أعضاء الحركات الاسلامية للعواصم الغربية وزيارات السفراء الغربيون لمقرات الحركات السياسية والاسلامية .
سادسا : طرح المبادرات السياسية برعاية دولية وعربية كالمبادرة اليمنية ومبادرة كوفي عنان ومؤتمر أصدقاء سوريا لاحتواء اطر سياسية قامت في الأصل كواجهة سياسية ثورية ثم قبلت بالحلول الغربية بقصد أو بغير قصد كأحزاب اللقاء المشترك في اليمن الذي قبل بالمبادرة الخليجية التي التفت على ثورة الشعب اليمني , والمجلس الوطني السوري وبحجة حماية الشعب السوري قبل بمقررات مؤتمر أصدقاء سوريا وطلب وضع سوريا تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة والذي هو الوجه الدولي الشرعي الخفي للوصاية الاستعمارية .
سابعا : تفعيل السياسات المالية المكافحة لما يسمى بالإرهاب التي فرضها الغرب لمراقبة الأنظمة المالية والعمل الخيري الرسمي في الدول العربية وخاصة الخليجية لتشديد الرقابة على الدعم المادي الذي تقدمه الأمة للشعوب الثائرة كسهم في سبيل الله وهذا ما أكده قادة الثورات بالرغم من حملات التبرع التي تحت الرعاية الرسمية .
ثامنا : دعم التيارات السياسية وخاصة ذات التوجه الليبرالي ممن لها ارتباطات فكرية وسياسية بالغرب في نشاطها السياسي والانتخابي كما حصل في تونس وليبيا ومصر واليمن .
تاسعا : دعوة أنظمة الدول التي لم تقم بها ثورات إلي خطوات إصلاحية استباقية لإضفاء الصفة الإصلاحية والحيوية على هذه الأنظمة وإبعاد خطر الثورات عنها, وظهر مثل هذه الخطوات في الأردن والكويت والمغرب والجزائر وهي شكلية وليست عميقة .
ولا زالت احداث الثورة وتداعياتها الكبرى مستمرة وستتبدل أسس وقواعد سياسية سائدة في عالمنا العربي, مما يجعل الأمة وثورتها أمام تحديات كبرى تواجهها, وهنا يأتي دور الحركات والتنظيمات السياسية في مواجهة هذه التحديات والنهوض بالأمة من جديد في ظل هذه الفرصة التاريخية, ولكي تستطيع القيام بهذا الدور الخطير لا بد من توفر الأسس التالية :
أولا : تقدم الرجال الأفذاذ المشهود لهم اجتماعيا وسياسيا وعمليا وعلميا وإعطائهم الفرصة الكاملة لإداء دورهم فالأحداث التاريخية الكبرى تحتاج رجالا على مستوى هذه الأحداث .
ثانيا : ترسيخ العمل المؤسسي بعيدا عن الفردي (واعتصموا بحبل الله جميعا) ونشر أصل الشورى في العمل السياسي (وأمرهم شورى بينهم) .
ثالثا : الوعي السياسي التام بتاريخ وواقع كافة المشاريع السياسية المتنافسة في المنطقة وارتباطاتها وبسير الأحداث التي تعصف بالمنطقة .
رابعا : العلم والوعي التام بتاريخ الأمة ومشروعها السياسي والمتمثل بالخطاب السياسي النبوي والراشدي.
خامسا : طرح برامج سياسية عملية واضح المعالم وقابل للتطبيق على أسس الخطاب السياسي النبوي والراشدي.
سادسا : تأهيل الكوادر السياسية القادرة على العمل السياسي الجماعي المنظم للوصول بهم إلي مستوى رجال دولة .
سابعا : ربط العمل السياسي للكوادر بالتربية الروحية والعمل الصالح لكل فرد, وبالطموح والمجد التاريخي على المستوى الشخصي أو العام .
إن أعظم درس سطرته لنا الأمة بثورتها هو أننا في وسط صراع أممي على أرضنا وثرواتنا ولا نستطيع التحرر منه ومواجهته إلا بالأمة نفسها وبإسلامها العظيم وفق ما خطه لنا نبينا نبي الملحمة صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام من خطاب سياسي نبوي راشدي توج ببناء دولة الخلافة التي أرست التوحيد والحرية والعدل وبها سادة الأمم لقرون, فهل من عودة قريبة, هذا ما وعدنا به نبينا صلى الله عليه وسلم .
السياسة الغربية اتجاه الثورة العربية
ترك تعليق
السياسة الغربية اتجاه الثورة العربية